كتاب “القواعد الكبرى” من أفضل كتب القواعد الفقهية التي عُنيت بمقاصد الشريعة وأحكامها، أتى فيه صاحبه “عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام” بنفائس وتحقيقات وفوائد كثيرة، نثرها في ثنايا كتابه، فجاء نمطًا فريدًا بين كتب القواعد والمقاصد، مما أنطق ألسنة العلماء بالثناء عليه والإشادة به، وأقاموه شاهدًا على إمامة صاحبه وعظيم منزلته في علوم الشريعة، فهو أول مَن فتح باب نظرية المقاصد في هذا الكتاب الذي ليس لأحد مثله. يتميز الكتاب بالأسلوب السهل الذي يبتعد عن الجفاف والتعقيد في العبارة، فيبلغ القمة التعبيرية التي يشعر بها القارئ وهو ينتقل من أصل حكم إلى فرع يتفرع عنه إلى إشارات تربوية وتحضيض على الطاعات وتحذير من المخالفات، ويمزج هذا كله بروحانية عالية وشفافية فائقة. وهذا الكلام الأخير يُسْلِمنا إلى ميزة أخرى، وهي الروح الإصلاحية التي تشيع في فصول الكتاب وفوائده، وفي التعقيب على كثير من المسائل والأحكام، حيث كتبه بروح الداعية المصلح وفكره، ومزج فيه بين الحكم الفقهي والإرشاد والتوجيه والترغيب والترهيب. وهذه الميزة ينبثق عنها ميزة أخرى لازمة لها وهي الواقعية، فهو يعالج كثيرًا من القضايا الواقعية، ويضع حلولًا علمية لكثير من الوقائع، ويجيب على أسئلة قد تَرِدُ في مناسبات عملية. يعد هذا الكتاب مَظِنَّة لنظريات عامة في الفقه الإسلامي، يمكن أن يرشد الباحثين، أو يضع أيديهم على كثير من المسائل والمباحث التي تستحق أن تُفْرَد بالبحث والدراسة، وأن تكون في مجال الاهتمام لتقديم دراسات وأطروحات علمية مثلًا. ويتميز الكتاب كذلك بالبعد عن التعصب المذهبي والتهجم على الآخرين من المخالفين في الرأي أو المذهب، وهذا واضح في عرضه لكثير من الآراء بإنصاف ومناقشتها بأدب جمٍّ واحترام لصاحب الرأي أو القول، وفي ترجيح رأي يخالف مذهبه الشافعي عندما يجد الدليل المؤيد لغيره، وهو أيضًا واضحٌ أشدَّ الوضوح في حملته على المقلدين والمتعصبين للمذهب الذين يتحيَّلون لمذهبهم مع مخالفته لما يشهد له الكتاب والسنة، وتمسكهم بالمذهب الضعيف أو القول الضعيف.